:: تعريـف بسـورة وقصة الكهـف
::
سورة الكهف مكيّة، وهي السورة 18 في ترتيب المصحف، وتأتي بعد سورة
الإسراء، ويأتي بعدها سورة مريم. وعدد آياتها 110، وعدد كلماتها 1578
كلمة، وهذا يعني أن تكون نسبة عدد كلماتها إلى عدد كلمات القرآن الكريم
تقارب 1/49.
فضلها:أورد الحافظ ابن كثير عدة أحاديث في فضل سورة
الكهف (سورة أصحاب الكهف)، منها ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي
والترمذي :"من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدّجال". وأورد عن
طريق الإمام أحمد :"من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة
الدّجال" ورواه مسلم أيضاً. وما أخرجه النسائي في سننه :"من قرأ العشر
الأواخر من سورة الكهف فإنه عصمة له من الدجال". وقد وردت أحاديث في
استحباب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وأن ذلك يكفر الذنوب(1) .
نقول:
هل سيأتي زمان تتجلى فيه أسرار سورة الكهف، وعلى وجه الخصوص الآيات العشر
الأول، والعشر الأواخر من السورة. فتكون قراءتها في مواجهة الدجال عن وعي
بمعانيها وأسرارها. ولا ننسى أن فتنة الدجال ستكون أعظم فتنة يتعرض لها
الناس في الدنيا، وليس كاليقين مُذهباً للفتن العقائدية. وإذا كانت هذه
الآيات تصلح لمواجهة أعظم فتنة فكيف بها عند مواجهة فتن أقل خطراً!!
يقول
سيد قطب رحمه الله في الظلال :"القصص هو العنصر الغالب في هذه السورة. ففي
أولها تجيء قصة أصحاب الكهف، وبعدها قصة الجنتين، ثم إشارة إلى قصة آدم
وإبليس. وفي وسطها تجيء قصة موسى مع العبد الصالح. وفي نهايتها قصة ذي
القرنين. ويستغرق هذا القصص معظم آيات السورة، فهو وارد في إحدى وسبعين
آية من عشر ومائة آية؛ ومعظم ما تبقى من آيات السورة هو تعليق أو تعقيب
على القصص فيها. وإلى جوار القصص بعض مشاهد القيامة، وبعض مشاهد الحياة
التي تصور فكرة أو معنى، على طريقة القرآن في التعبير بالتصوير. أما
المحور الموضوعي للسورة الذي ترتبط به موضوعاتها، ويدور حوله سياقها، فهو
تصحيح العقيدة وتصحيح منهج النظر والفكر. وتصحيح القيم بميزان هذه
العقيدة(2) .
إنهم فتية آمنوا بربهم في مجتمع وثني، وجهروا بكلمة
الحق، رافضين لعقيدة قومهم غير القائمة على أساس من العقل والبرهان. ولمّا
أيقنوا أن قومهم على وشك أن يبطشوا بهم ليردوهم عن عقيدة التوحيد، لجأوا
إلى الكهف هرباً بدينهم الحق، واعتزالاً لوثنية المجتمع. وشاء الله تعالى
أن يذهبوا في سبات عميق، تحيطهم رعاية الله سبحانه وتعالى. ثم كان أن
بعثوا من نومهم بعد مضي ثلاثمائة وتسع سنوات.
لم يلحظ الفتية
اختلافاً بيناً في أشكالهم وملامحهم، أي أنهم قاموا على الحال التي ناموا
عليها، ولذلك ظنوا أن لبثهم في الكهف كان يوماً أو بعض يوم. ولكن عندما
بعثوا أحدهم إلى المدينة متسللاً ليشتري لهم بعض الطعام، كانت المفاجأة،
ففي الوقت الذي لم تتغير فيه ملامحهم داخل الكهف على مدى القرون الثلاثة،
كانت ملامح المجتمع قد تغيرت، بل تغيرت أفكار الناس وعقائدهم، وانتصرت
عقيدة التوحيد، وإذ بالمجتمع في حالة انتظار لفتية رفعوا لواء الحق، ذهبوا
وغابوا، وتواترت النبوءات بأنهم سيبعثون من نومةٍ هم فيها، واختلف الناس
في المدة التي سيلبثونها نائمين. فلما بعثوا من نومهم، تبين دقة إحصاء من
وافق إحصاؤهم ثلاثمائة وتسع سنوات. فكانوا آية من آيات الله، وبرهاناً من
براهين البعث. ويبدو أن حياتهم لم تطل، بل عادوا إلى سبات، فالتبس أمرهم
على الناس، أهم نيام أم موتى؟! فتمّ إغلاق الكهف ببناء، واتخذ المعاصرون
للحدث في الموقع مسجدا.
وصفت الآيات القرآنية بعض أحوال الفتية في
نومهم، وبينت موقع الكهف بالنسبة لشروق الشمس وغروبها. كل ذلك قد يساعد في
إدراك بعض أسرار هذه الحادثة العجيبة، وليس هذا مقام التفصيل. وقد أشارت
الآيات الكريمة إلى اختلاف الناس في عدد الفتية. أهم ثلاثة أم خمسة، أم
سبعة ثامنهم كلبهم. ويصعب البت في عددهم لأن القرآن الكريم لم يبت في ذلك،
ولكنه أشار إلى أن هناك قلة تعلم :"ما يعلمهم إلا قليل….".
جاء في
تفسير الميزان للطباطبائي :"…عثر في مختلف بقاع الأرض على عدة من الكهوف
والغيران، وعلى جدرانها تماثيل ثلاثة أو خمسة أو سبعة، ومعهم كلب، وفي
بعضها بين أيديهم قربان يقربونه، ويتمثل عند الإنسان المطلع عليها قصص أهل
الكهف ويقرب من الظن أن هذه النقوش والتماثيل إشارة إلى قصة الفتية، وأنها
انتشرت وذاعت بعد وقوعها في الأقطار، فأخذت ذكرى يتذكر بها الرهبان
والمتجردون للعبادة في هذه الكهوف…."(3) . وجاء في الميزان أيضاً
:"الروايات في قصة أصحاب الكهف -على ما لخصه بعض علماء الغرب- أربع وهي
مشتركة في أصل القصة وخصوصياتها :1- الرواية السريانية….2- الرواية
اليونانية وتنتهي إلى القرن العاشر الميلادي…. 3- الرواية اللاتينية وهي
مأخوذة من السريانية. 4- الرواية الإسلامية وتنتهي إلى السريانية. وهناك
روايات واردة في المتون القبطية والحبشية والأرمنية وتنتهي جميعاً إلى
السريانية. وأسماء أصحاب الكهف في الروايات الإسلامية مأخوذة من روايات
غيرهم…."(4) .
أما بالنسبة إلى موقع الكهف فقيل إنه كهف إفسوس، وهي
مدينة أثرية تقع في تركيا، وقيل كهف في جبل قاسيون في مدينة دمشق السورية،
وقيل وقيل…..ويرجح بعض المعاصرين أنه كهف الرجيب بالقرب من العاصمة
الأردنية عمّان. ويقول الطباطبائي في الميزان :"بعد هذا كله فالمشخصات
التي وردت في القرآن الكريم للكهف أوضح انطباقاً على كهف الرجيب عن
غيره"(5) .
يتضح مما سلف أن قصة أصحاب الكهف مشتهرة بين الأمم كما
اشتهرت قصة الطوفان، وهذا يدل على عمق تأثير الحدث في حينه وتداوله بين
الناس. ويساعد طابعه الديني والغيبي على هذا الانتشار. وكما حصل في قصة
الطوفان، كثرت الأساطير واختلفت الروايات في الأمم، إلا أنها تدور كلها
حول قاسم مشترك يبدو أنه الحقيقة التي وقعت بالفعل، ويمكن أن نقول الكلام
نفسه في حق قصة أصحاب الكهف. فمن المتوقع أن تتضارب الأقوال في مكان
الحدث، وزمانه، وعدد الفتية، وتفصيلات أخرى، إلا أنها تلتقي كلها في
الحديث عن الكهف، وفتية ينامون دهراً طويلاً ثم يبعثون من نومهم. ولا شك
أن مثل هذا الحدث الجليل يستهوي الجميع، ويطلق خيالهم، وقد يدفعهم التعصب
إلى أممهم وبلدانهم وعقائدهم إلى الزعم بأن أبطال القصة ينتمون إليهم دون
غيرهم. يقول الطباطبائي في الميزان :"شأن القصص التي كذلك أن تتجلى لكل
قوم في صورة تلائم ما عندهم من الآراء والعقائد وتختلف رواياتها"(6) ويقول
:"…وأما الروايات الواردة في بعض جهات القصة كالمتعرضة لزمان قيامهم
والملك الذي قاموا في عهده ونسبهم وسمتهم وأسمائهم ووجه تسميتهم بأصحاب
الرقيم إلى غير ذلك من جزئيات القصة فالاختلاف فيها أشد والحصول فيها على
ما تطمئن إليه النفوس أصعب. والسبب العمدة في اختلاف هذه الأحاديث مضافاً
إلى ما تطرق إلى أمثال هذه الروايات من الوضع والدس أمران: أحدهما: أن
القصة مما اعتنت به أهل الكتاب كما يستفاد من رواياتها أن قريشاً تلقتها
عنهم وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنها، بل يستفاد من التماثيل - وقد
ذكرها أهل التاريخ عن النصارى - ومن الصور الموجودة في كهوف شتى في بقاع
الأرض المختلفة من آسيا وأوروبا وإفريقيا أن القصة اكتسبت بعداً وشهرة
عالمية…..وثانيها: أن دأب كلامه تعالى فيما يورده من القصص أن يقتصر على
مختارات من نكاتها المهمة المؤثرة في إبقاء الغرض…..ثم إن المفسرين من
السلف لما أخذوا في البحث عن آيات القصص راموا بيان اتصال الآيات بضم
المتروك من أطراف القصص المختارة المأخوذ منه لتصاغ بذلك قصة كاملة…"(7) .
نقول:
ما نراه في قصة أهل الكهف أن نقتصر فيها على ما ورد في القرآن الكريم، وما
يمكن أن يستفاد من دلالات الآيات الكريمة. ويجدر بنا أن نتذكر دائماً أن
الله تعالى نهانا عن أن نأخذ عن أهل الكتاب أو غيرهم شيئاً من أخبار أصحاب
أهل الكهف:"…ولا تستفت فيهم منهم أحداً "(Cool
. مما يدل على أنه لا مستند لأحد من الإخباريين فيما يخبر من قصة أهل
الكهف، وقد يدل هذا على أن القصة مُغرقة في القدم، بل أقدم بكثير مما
ذكرهُ أكثر أهل التفسير. جاء في كتاب قصص القرآن :"رجّح ابن كثير أن قصص
أهل الكهف كان قبل مجيء النصرانية لا بعدها، كما رواه كثير من المفسرين
متبعين ما أثر عن العرب، والدليل على ذلك أنّ أحبار اليهود كانوا يحفظون
أخبارهم ويعنون بها"(9)
رابط التحميل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]