لا يكاد إنسان يخلو من حال يضطر فيها للسفر، سواء لأمر ديني أو دنيوي، قضاء إجازة، تأدية فريضة، صلة رحم، طلب علم، أغراض كثيرة، لا عد لها ولا حصر.
وقد أحببت أن أجمع بعض الآداب التي لابد أن يراعيها المسلم في سفره تكون له نبراساً هادياً بإذن الله في ترحاله وسفره.
وأول هذه الآداب:
النية الصالحة: السفر عمل من الأعمال من الحري فيه استحضار النية الصالحة كي يؤجر المسلم في تعبه ونفقته، وهذه النية الصالحة مما تعين العبد على ترك السفر لأجل أمر يكرهه الله - عز وجل - ويبغضه.
وذلك لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى..) ومن الأمور التي تستلزمها النية أنه يكتب للعبد في سفره ما كان يكتب له من الأجر قبل سفره حتى لو قصر في بعض الأعمال الصالحة بسبب سفره فقد قال - عليه الصلاة والسلام - (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمله وهو مقيماً صحيحاً).
الأدب الثاني: الاستخارة قبل السفر: وهذه سنة جلية، وأدب رفيع علمنا إياه الإسلام وربانا عليه وهي أن يستخير المسلم في أي أمر مباح يقدم عليه.. وهذا الأدب يعصم الإنسان من الوقوع في المعصية بالسفر المحرم إذ لا يمكن استحضار نية صالحه فيه.
ومن الآداب في السفر: اختيار الصحبة الصالحة: وتحري ذلك لأنه مما يعين على زيادة الخير للعبد والمسافر لوحده قد يتلاعب به الشيطان وهو وحيد أو يوسوس له الشيطان فيجرئه على المعصية حيث لا رقيب عليه من أهله أو معارفه فذلك لابد من وجود الرفقة الصالحة المعينة على الخير.
ولا ينبغي أن يسافر المرء مع رفقة سوء فإنهم قد يحرضونه على المعصية ويزننونها له وقد يؤذونه بأحوالهم وتصرفاتهم وقد يضيقون أخلاقه بطباعهم ويشقون عليه ويرى منهم ما يكره والسفر مظنة ضيق الأخلاق وسوء الطباع.
ومن الآداب: استئذان الوالدين: لأن رضاهما مما يجلب البركة وسخطهما مما يوجب الخسارة وفي ذلك تطييب لخاطرهما.
ومن الآداب: التزود بالنفقة الحلال وهذا مما يؤجر فيه المسلم وهو سبب لإجابة الدعاء وأما النفقة الحرام تمنع إجابة الدعاء والمسافر أحوج ما يكون إلى ما يقوي صلته بالله ويقربه منه ويتسبب في إجابة دعائه فلا ينبغي أن يغلق على نفسه باب إجابة الدعاء بما ينفق من النفقة الحرام.
ألا تقل الرفقة عن ثلاثة: وهذا من كمال الأدب الذي أرشد عليه - صلى الله عليه وسلم - فقد قال: (الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب).
وهذا إذا تيسر العدد لكن إذا اضطر للسفر وتعذر عليه ذلك فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. كذلك اتخاذ أمير على الرفقة: ولذلك منافع كثيرة لا يعلمها إلا الله وكم خسر أناس واختلفوا وافترقوا، بسبب عدم وجود أمير في السفر يحسم الخلافات التي قد تنشأ بين المسافرين فيختار لهم الأصلح حتى تستقيم أمورهم في السفر.
وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم) ويدخل في ذلك طاعة الأمير وكذلك مشاورة الأمير لرفقائه وترفقه بهم.
كذلك ذكر الركوب سواء في السيارة أو الطائرة أو قطار أو غيره بقوله: ((الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، الحمد لله الحمد لله الحمد لله، الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر، رب إني ظلمت نفسي فأغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) رواه أبو داود والترمذي وصححه.
كذلك ذكر دعاء السفر: أذا انطلقت الدابة وتحركت وسيلة المواصلات فإنه يدعو بدعاء السفر الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطوي عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل).
وكذلك جعل السفر ليلاً إن أمكن، وكذلك اغتنام الأوقات الفاضلة بالأذكار الواردة والإكثار من الاستغفار في وقت الأسحار والإكثار من الدعاء والمحافظة على الوقت.
ما في المقـام لذي عقـلٍ وذي أدبٍ ** مـن راحة فدع الأوطان واغـتـرب
سـافر تجد عـوضـاً عمن تفارقه ** وانصب فإن لذيذ العيش فـي النصـب
إني رأيت وقوف الماء يـفسده ** إن ساح طاب وإن لم يجـر لـم يطـب
والأسد لولا فراق الأرض ما افترست ** والسهم لولا فراق القوس لـم يصـب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة ** لملها النـاس مـن عجـم ومـن عـرب